ثار استحواذ شركة «ياهو» العالمية على الموقع العربي «مكتوب» الكثير من التعليقات، وقدَّم الكثيرون قراءاتهم لهذه الصفقة، كلٌ من الزاوية التي تثير اهتمامه. أما محمد الساحلي، وانطلاقاً من عرض جوانب المسألة، فإنه يجد فيها انطلاقة جديدة للإنترنت العربي، ستؤدي إلى خطوات أخرى يكون المستخدم العربي أبرز المستفيدين منها.
بعد أشهر، وربما سنوات، من التكهنات والشائعات المختلفة، جاءتنا جهينة بالخبر اليقين، فأعلن رسمياً في دبي في أغسطس الماضي عن توصل «مكتوب» و«ياهو» إلى اتفاق تستحوذ بموجبه شركة «ياهو» على موقع مكتوب. وقد جاء هذا الاتفاق تتويجاً لقصة نجاح بدأت خطواتها الأولى قبل سنوات عشر في مدينة عمَّان الأردنية.
فقد بدأت الإنترنت بالانتشار في أغلب الدول العربية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، غير أن التعامل باللغة العربية على الشبكة لم يكن بالأمر الشائع آنذاك، لصعوبات تقنية محضة.
ودفعت تلك الصعوبات، مع الحاجة إلى استخدام اللغة الأم في التواصل على الإنترنت، الثنائي سميح طوقان وحسام خوري، يدعمهما فادي غندور (صاحب شركة أرامكس)، إلى ابتكار أول خدمة بريد إلكتروني عربي، أريد لها أن تكون خدمة عربية توفر للمستخدمين التواصل بالعربية عبر البريد، حتى إن لم يكن جهاز الكمبيوتر للمستخدم يعمل باللغة العربية. تلك كانت إحدى اللفتات العبقرية التي أتت بها «مكتوب».
كانت البداية محفزة جداً، إذ بعد إطلاق خدمة البريد بشكل تجريبي (أبريل 1999م) حصلت الخدمة على 5 آلاف مشترك. هي بداية قوية أظهرت أن للمشروع قيمة استثمارية، فبدأت تحركات سميح طوقان للحصول على تمويلات للمشروع. وكان له ما أراد سنة 2000م، بحصوله على تمويل بقيمة 2.5 مليون دولار.
الانسياق لرغبات الجمهور..
عامل نجاح أم فشل؟
عاب البعض على «مكتوب» أنها بعد بدايتها القوية لم تواصل الإبداع، ولم تقدِّم الكثير من الفائدة للمستخدم العربي قدر ما انساقت مع رغبات الجمهور، وكأنها عملت بنفس منطق أهل الغناء والسينما: «الجمهور عايز كده».
عرفت فترة انطلاق «مكتوب»، ما سمي بانفجار فقاعة الدوت كوم. وهي مرحلة شهدت إفلاس عدد من شركات التقنية و«الويب» على المستوى العالمي. وربما كان هذا ما دفع شركة «مكتوب» إلى مراقبة نموها بحذر، والتركيز على التخصص في خدمة البريد الإلكتروني، عوض الدخول في مغامرة تنفيذ مشاريع ضخمة.
يفترض أن يكون الأمر طبيعياً. غير أن «مكتوب» حصلت لاحقاً على تمويل إضافي من «أبراج كابيتال» بقيمة 5 ملايين دولار. وهو ما كان يعني إمكانات نمو جيدة في منطقة عطشى لأي جديد. لكن للأسف لم تسر الأمور كما تسير الأماني.
بدأت «مكتوب» في التحول إلى بوابة إلكترونية، تكاد تشبه خارجياً بوابة «ياهو»، دون أن تشبهها في جودة المحتوى. فقدمت آنذاك خدمتها «كاش يو»، كلفتة عبقرية أخيرة، ثم توقفت تماماً عن الإبداع، واكتفت بتقديم نسخ مشوهة من خدمات عالمية ناجحة، وشراء عدد من المنتديات العربية الشعبية.
وحتى لا يتضمن كلامنا تجنياً، نشير إلى أن ثمة الكثير من المحتوى الجيد كان متناثراً في أرجاء بوابة مكتوب. لكنك ستكون محظوظاً جداً لو استطعت إيجاده والوصول إليه!
هذا لا ينفي أن موقع «مكتوب» جماهيري جداً في الدول العربية، وإن كان تأثيره الفعلي موضع تساؤل.
الدوافع إلى الصفقة
قبل الصفقة وبعدها، كان الكثيرون يبدون استغرابهم: ما الذي يجذب «ياهو» لشراء موقع مثل «مكتوب»؟
كعادة «مكتوب» التي لا تفصح عن قيمة صفقاتها، لا يعرف حتى الآن بشكل رسمي قيمة استحواذ «ياهو» على بوابة «مكتوب». غير أن مصادر إخبارية قريبة من «ياهو» تشير بأن قيمة الصفقة بلغت 85 مليون دولار أمريكي!
فرحة لا يحاول أحد إخفاءها من إتمام هذه الصفقة الأولى من نوعها عربياً، وكذلك لا يحاول البعض إخفاء دهشتهم: هل تستحق «مكتوب» هذا المبلغ؟ ماذا ستفعل «ياهو» بالمواقع التابعة لبوابة «مكتوب» والتي يطغى على بعضها طابع التكرار، إن لم نقل النقل والتعدي على حقوق الملكية الفكرية لمواد محفوظة الحقوق؟
هذا هو السؤال المحوري: ماذا ستفعل «ياهو» بمواقع «مكتوب»؟
أولاً هناك ملاحظة: صفقة ضم «مكتوب» إلى «ياهو» شملت فقط البوابة «مكتوب.كوم»، والخدمات الفرعية التابعة لها على نفس النطاق، إضافة إلى خدمة أبحاث مكتوب. أما الخدمات الأخرى المستقلة، مثل: سوق، كاش يو، عربي، خدمة الإعلانات، الألعاب، فهي خارج الصفقة.
بعبارة أخرى، لم تشترِ «ياهو» سوى الفتات. أما الخدمات الأفضل لدى «مكتوب»، فقد احتفظ بها المؤسسان وباقي الشركاء، وجمعت في شركة جديدة رأسمالها 20 مليون دولار، اسمها «مجموعة جبار للإنترنت».
هل خُدعت ياهو؟ كلا. حسب النشرة الصحفية، فإن الهدف من الصفقة هو دخول «ياهو» السوق العربية، وتوفير نسخ عربية من خدماتها (البداية ستكون بخدمتي البريد والماسنجر). أي إن هدف «ياهو» من الصفقة هو أقرب إلى شراء فريق «مكتوب» لتنفيذ عمليات تعريب خدمات «ياهو» منه إلى شراء خدمات «مكتوب».
لكن كان بإمكان «ياهو» تكوين فريق خاص في الشرق الأوسط لتعريب خدماتها عوض صرف سيولتها في مثل هذه الصفقة. فلماذا اهتمت بـ «مكتوب»؟
نعم، كان بإمكان «ياهو» تكوين فريق جديد وجيد. لكن أحياناً تكون العلامة التجارية أهم من ذلك. وهذا ما صرح به كيث نيلسون، نائب الرئيس المسؤول للأسواق الصاعدة لدى «ياهو»، بقوله: «تقوم «ياهو» بشراء «مكتوب.كوم» لعلامته التجارية القوية وجمهور المستخدمين الذي جمعه، والذي باعتقادنا هو الأكبر في المنطقة».
إذ ما الحاجة إلى مشكلات تكوين فريق وخوض منافسة مع «مكتوب»، طالما أن بالإمكان شراء «مكتوب» نفسها، بمبلغ معقول جداً؟.
مستقبل الويب العربي
قد لا نتفق جميعاً حول مدى الفائدة التي قدمتها شركة «مكتوب» للمستخدم العربي، وقد لا نصل إلى اتفاق واحد حول ما ستفعله «ياهو» بالمواقع التابعة لبوابة مكتوب. لكن بكل تأكيد، لن تجد من يختلف حول قيمة هذه الصفقة وأهميتها للويب العربي.
فقد بات لدينا الآن نموذج لشركة تقنية عربية ناجحة. وهذا ما سيفك عقدة المستثمرين العرب غير المتحمسين للاستثمارات ذات الصلة بمواقع الإنترنت من جهة، ومن جهة أخرى سيفتح شهية مستثمرين أجانب لدخول السوق العربية.
كذلك، كما نعلم كلنا، تعتبر «ياهو» إلى جانب ميكروسوفت منافساً كبيراً لجوجل. والآن بهذا الدخول القوي لـ «ياهو» إلى المنطقة العربية، سوف تزداد حدة المنافسة بين «جوجل» و«ياهو» للسيطرة على نصيب أكبر في المنطقة، وهو ما سيعود، بشكل أو بآخر، بالنفع على المستخدم.
وستسهم المنافسة أيضاً في إثراء المحتوى العربي على الويب، وهي بالتالي فرصة للشركات التجارية في دخول سوق التنافس على المساحات الإعلانية على المواقع العربية.
لن يحدث التغيير بين ليلة وضحاها، لكن من المؤكد أن صفقة استحواذ «ياهو» على «مكتوب» ستفتح الباب على مصراعيه أمام التغيير والتحديث، ما لم تخلف الشركات العربية موعدها مع التاريخ مرة أخرى!
بعد أشهر، وربما سنوات، من التكهنات والشائعات المختلفة، جاءتنا جهينة بالخبر اليقين، فأعلن رسمياً في دبي في أغسطس الماضي عن توصل «مكتوب» و«ياهو» إلى اتفاق تستحوذ بموجبه شركة «ياهو» على موقع مكتوب. وقد جاء هذا الاتفاق تتويجاً لقصة نجاح بدأت خطواتها الأولى قبل سنوات عشر في مدينة عمَّان الأردنية.
فقد بدأت الإنترنت بالانتشار في أغلب الدول العربية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، غير أن التعامل باللغة العربية على الشبكة لم يكن بالأمر الشائع آنذاك، لصعوبات تقنية محضة.
ودفعت تلك الصعوبات، مع الحاجة إلى استخدام اللغة الأم في التواصل على الإنترنت، الثنائي سميح طوقان وحسام خوري، يدعمهما فادي غندور (صاحب شركة أرامكس)، إلى ابتكار أول خدمة بريد إلكتروني عربي، أريد لها أن تكون خدمة عربية توفر للمستخدمين التواصل بالعربية عبر البريد، حتى إن لم يكن جهاز الكمبيوتر للمستخدم يعمل باللغة العربية. تلك كانت إحدى اللفتات العبقرية التي أتت بها «مكتوب».
كانت البداية محفزة جداً، إذ بعد إطلاق خدمة البريد بشكل تجريبي (أبريل 1999م) حصلت الخدمة على 5 آلاف مشترك. هي بداية قوية أظهرت أن للمشروع قيمة استثمارية، فبدأت تحركات سميح طوقان للحصول على تمويلات للمشروع. وكان له ما أراد سنة 2000م، بحصوله على تمويل بقيمة 2.5 مليون دولار.
الانسياق لرغبات الجمهور..
عامل نجاح أم فشل؟
عاب البعض على «مكتوب» أنها بعد بدايتها القوية لم تواصل الإبداع، ولم تقدِّم الكثير من الفائدة للمستخدم العربي قدر ما انساقت مع رغبات الجمهور، وكأنها عملت بنفس منطق أهل الغناء والسينما: «الجمهور عايز كده».
عرفت فترة انطلاق «مكتوب»، ما سمي بانفجار فقاعة الدوت كوم. وهي مرحلة شهدت إفلاس عدد من شركات التقنية و«الويب» على المستوى العالمي. وربما كان هذا ما دفع شركة «مكتوب» إلى مراقبة نموها بحذر، والتركيز على التخصص في خدمة البريد الإلكتروني، عوض الدخول في مغامرة تنفيذ مشاريع ضخمة.
يفترض أن يكون الأمر طبيعياً. غير أن «مكتوب» حصلت لاحقاً على تمويل إضافي من «أبراج كابيتال» بقيمة 5 ملايين دولار. وهو ما كان يعني إمكانات نمو جيدة في منطقة عطشى لأي جديد. لكن للأسف لم تسر الأمور كما تسير الأماني.
بدأت «مكتوب» في التحول إلى بوابة إلكترونية، تكاد تشبه خارجياً بوابة «ياهو»، دون أن تشبهها في جودة المحتوى. فقدمت آنذاك خدمتها «كاش يو»، كلفتة عبقرية أخيرة، ثم توقفت تماماً عن الإبداع، واكتفت بتقديم نسخ مشوهة من خدمات عالمية ناجحة، وشراء عدد من المنتديات العربية الشعبية.
وحتى لا يتضمن كلامنا تجنياً، نشير إلى أن ثمة الكثير من المحتوى الجيد كان متناثراً في أرجاء بوابة مكتوب. لكنك ستكون محظوظاً جداً لو استطعت إيجاده والوصول إليه!
هذا لا ينفي أن موقع «مكتوب» جماهيري جداً في الدول العربية، وإن كان تأثيره الفعلي موضع تساؤل.
الدوافع إلى الصفقة
قبل الصفقة وبعدها، كان الكثيرون يبدون استغرابهم: ما الذي يجذب «ياهو» لشراء موقع مثل «مكتوب»؟
كعادة «مكتوب» التي لا تفصح عن قيمة صفقاتها، لا يعرف حتى الآن بشكل رسمي قيمة استحواذ «ياهو» على بوابة «مكتوب». غير أن مصادر إخبارية قريبة من «ياهو» تشير بأن قيمة الصفقة بلغت 85 مليون دولار أمريكي!
فرحة لا يحاول أحد إخفاءها من إتمام هذه الصفقة الأولى من نوعها عربياً، وكذلك لا يحاول البعض إخفاء دهشتهم: هل تستحق «مكتوب» هذا المبلغ؟ ماذا ستفعل «ياهو» بالمواقع التابعة لبوابة «مكتوب» والتي يطغى على بعضها طابع التكرار، إن لم نقل النقل والتعدي على حقوق الملكية الفكرية لمواد محفوظة الحقوق؟
هذا هو السؤال المحوري: ماذا ستفعل «ياهو» بمواقع «مكتوب»؟
أولاً هناك ملاحظة: صفقة ضم «مكتوب» إلى «ياهو» شملت فقط البوابة «مكتوب.كوم»، والخدمات الفرعية التابعة لها على نفس النطاق، إضافة إلى خدمة أبحاث مكتوب. أما الخدمات الأخرى المستقلة، مثل: سوق، كاش يو، عربي، خدمة الإعلانات، الألعاب، فهي خارج الصفقة.
بعبارة أخرى، لم تشترِ «ياهو» سوى الفتات. أما الخدمات الأفضل لدى «مكتوب»، فقد احتفظ بها المؤسسان وباقي الشركاء، وجمعت في شركة جديدة رأسمالها 20 مليون دولار، اسمها «مجموعة جبار للإنترنت».
هل خُدعت ياهو؟ كلا. حسب النشرة الصحفية، فإن الهدف من الصفقة هو دخول «ياهو» السوق العربية، وتوفير نسخ عربية من خدماتها (البداية ستكون بخدمتي البريد والماسنجر). أي إن هدف «ياهو» من الصفقة هو أقرب إلى شراء فريق «مكتوب» لتنفيذ عمليات تعريب خدمات «ياهو» منه إلى شراء خدمات «مكتوب».
لكن كان بإمكان «ياهو» تكوين فريق خاص في الشرق الأوسط لتعريب خدماتها عوض صرف سيولتها في مثل هذه الصفقة. فلماذا اهتمت بـ «مكتوب»؟
نعم، كان بإمكان «ياهو» تكوين فريق جديد وجيد. لكن أحياناً تكون العلامة التجارية أهم من ذلك. وهذا ما صرح به كيث نيلسون، نائب الرئيس المسؤول للأسواق الصاعدة لدى «ياهو»، بقوله: «تقوم «ياهو» بشراء «مكتوب.كوم» لعلامته التجارية القوية وجمهور المستخدمين الذي جمعه، والذي باعتقادنا هو الأكبر في المنطقة».
إذ ما الحاجة إلى مشكلات تكوين فريق وخوض منافسة مع «مكتوب»، طالما أن بالإمكان شراء «مكتوب» نفسها، بمبلغ معقول جداً؟.
مستقبل الويب العربي
قد لا نتفق جميعاً حول مدى الفائدة التي قدمتها شركة «مكتوب» للمستخدم العربي، وقد لا نصل إلى اتفاق واحد حول ما ستفعله «ياهو» بالمواقع التابعة لبوابة مكتوب. لكن بكل تأكيد، لن تجد من يختلف حول قيمة هذه الصفقة وأهميتها للويب العربي.
فقد بات لدينا الآن نموذج لشركة تقنية عربية ناجحة. وهذا ما سيفك عقدة المستثمرين العرب غير المتحمسين للاستثمارات ذات الصلة بمواقع الإنترنت من جهة، ومن جهة أخرى سيفتح شهية مستثمرين أجانب لدخول السوق العربية.
كذلك، كما نعلم كلنا، تعتبر «ياهو» إلى جانب ميكروسوفت منافساً كبيراً لجوجل. والآن بهذا الدخول القوي لـ «ياهو» إلى المنطقة العربية، سوف تزداد حدة المنافسة بين «جوجل» و«ياهو» للسيطرة على نصيب أكبر في المنطقة، وهو ما سيعود، بشكل أو بآخر، بالنفع على المستخدم.
وستسهم المنافسة أيضاً في إثراء المحتوى العربي على الويب، وهي بالتالي فرصة للشركات التجارية في دخول سوق التنافس على المساحات الإعلانية على المواقع العربية.
لن يحدث التغيير بين ليلة وضحاها، لكن من المؤكد أن صفقة استحواذ «ياهو» على «مكتوب» ستفتح الباب على مصراعيه أمام التغيير والتحديث، ما لم تخلف الشركات العربية موعدها مع التاريخ مرة أخرى!